يخبرنا الكتاب المقدس في سفر التثنية (١٩: ١- ١٣)، وسفر يشوع (٢٠، ٢١)، وسفر العدد (٣٥) عن أحد الشرائع التي أعطاها الله لشعبه. هذه الشريعة تتكلم عن نصيب اللاويين (الكهنة) من المدن؛ وهو ٤٨ مدينة. ويخبرنا سفر يشوع عن امتلاك اللاويين لهذه المدن، إذ يقول: “ثم تقدم رؤساء آباء اللاويين إلى ألعازار الكاهن وإلى يشوع بن نون وإلى رؤساء آباء أسباط بني إسرائيل، وكلموهم في شيلوه في أرض كنعان قائلين قد أمر الرب على يد موسى أن نُعطى مدنًا للسكن مع مسارحها لبهائمنا. فأعطى بنو اسرائيل اللاويين من نصيبهم حسب قول الرب هذه المدن مع مسارحها.” (يش ۲۱: ۱ – ۳)
ومن بين هذه المدن الثمانية والأربعين، ست مدن كان يطلق عليها مدن الملجأ، وهي مدن يسكن فيها اللاويون في وسط الشعب، ويمكن لمَن هم مهددون بالموت (مثل مَن قتل سهوًا ومطلوب دمه) اللجوء إليها والاحتماء بها. وهذه المدن الست منتشرة في شرق الأردن وغربه لسهولة الوصول إليها – ثلاث شرق الأردن وثلاث غربه – وهي نصيب اللاويين يسكنون فيها وسط الشعب ليشهدوا بناموس الرب ويكونوا خدامًا للشعب ونورًا لهم.
ويمكن تلخيص شريعة مدن الملجأ كما يشرحها الكتاب المقدس، كالآتي:
۱ – على القاتل سهوًا أن يلجأ بسرعة إلى أقرب مدينة ملجأ. وهنا ينبغي الإشارة إلى أنه غالبًا كانت كل الطرق المؤدية إلى مدن الملجأ ممهدة وصالحة ويوجد أيضًا لافتات مكتوب عليها: “ملجأ … ملجأ ” – بخط واضح وكبير ومُوزعة في كل الأرض حتى يسهل الوصول إلى مدن الملجأ.
۲ – بعد الالتجاء إلى المدينة؛ يعرض اللاجيء دعواه أمام شيوخ المدينة وإن اعترف أنه قتل وتحققوا أن القتل قد تم سهوًا، يسمحوا له بأن يعود إلى مدينة الملجأ، ويبقي داخل أسوارها فلا يحق للولي (قريب القتيل) أن ينتقم منه. هذه هي شريعة العهد القديم!
والآن قارئي العزيز؛ هلليلويا! إلى ماذا تشير مدن الملجأ في العهد الجديد؟ بالتأكيد تشير إلى شخص الرب يسوع المسيح له كل المجد!! هلليلويا لأننا نعيش في العهد الجديد! نعم العهد الجديد! عهد النعمة وقوة دم المسيح! حيث لنا في كل أوقات أخطاءنا وخطايانا ملجأ هو يسوع المسيح – على حساب دمه الكريم … نعم دم المسيح الذي يُطهر من كل خطية ويحمينا من كل الأخطار. هلليلويا! نعظم هذا الدم الثمين!
عزيزي … هل لاحظت أن هذه المدن الست هي ضمن مدن اللاويين والكهنة؟ وإلى ماذا يشير هذا؟ يشير إلى أنه لا يوجد لي ولك ملجأ إلا في يسوع المسيح الذي هو رئيس كهنتا الأعظم، فهو مدينة ملجأنا بوقوفه عنا كاهنًا إلى الأبد على رتبة ملكي صادق! “فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات يسوع ابن الله فلنتمسك بالإقرار. لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية، لنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونًا في حينه.” (عب ٤: ۱٤، ۱٥).
نعم… أجري لحضور الرب وعرشه.. عرش النعمة الذي أجد فيه حماية من كل أخطار! نعم.. أجري للحصن والملجأ والستر والإنقاذ! أستطيع أن أغني: “الرب صخرتي وحصني ومنقذي. إلهي صخرتي به أحتمي. ترسي وقرن خلاصي وملجاي. (مز ۱۸: ۲)
عزيزي القاريء؛ هل تعلم أنه رغم أن شريعة العهد القديم كان يقدم فيها ذبيحة للتكفير تسمي ذبيحة القتل سهوًا، إلا أن هذه الذبيحة – برغم كفايتها المؤقتة أمام الله – إلا أنها كانت لا تحمي القاتل من أن ينتقم منه الولي؟ لكن… هلليلويا! الله طويل الروح وكثير الرحمة والرأفة على شعبه. ترأف على شعبه بهذه الشريعة شريعة مدن الملجأ، لينجي الهارب من الانتقام الأرضي – نتيجة الخطأ! لكن عزيزي حتى هذه الشريعة كانت تُنجي من نتائج القتل سهوًا فقط … لكن هلليلويا….. ما أعظم عهد النعمة! لنا يسوع مدينة ملجأ عن كل أخطاءنا وخطايانا – العمد والسهو – ونتائجها!! لأنه بروح أزلي قدم نفسه ذبيحة مقدسة عن كل خطايانا وأخطائنا.. فقط، تعال إلي يسوع المسيح بقلب صادق وتائب، وتب عن كل خطاياك – العمد والسهو – وهو يغفر لك خطاياك ويطهرك من كل خطية عل حساب دمه الكريم، ويكون لك الملجأ الوحيد في كل ظروفك. نعم.. يسوع المسيح هو الملجأ من الخطايا ومن الأخطار ومن الأخطاء أيضًا.
والآن، أنظر معي عزيزي القاريء ماذا تعني أسماء هذه المدن الست، وكيف تشير إلى الرب يسوع!
۱ – حبرون: تعنى صحبة أو شركة
هلليلويا للرب! لأننا ونحن في شركة مع الرب يسوع وفي التصاق حقيقي؛ هو يكون لنا ملجأ وحصن؛ والشركة معه هي الضمان الفعلي لأماننا في الملجأ!
۲ – راموت جلعاد: تعنى مرتفعات
نعم الوقوف مع الرب، في المكان المرتفع، حتى في وسط الأمور الصعبة يحسم كل معارك (وهو إن ارتفع يجذب إليه الجميع)!
وأقامنا معهُ، وأجلسنا(معه) في السماويات في المسيح يسوع (أف ۲: ٦)
۳ – جولان: تعنى دوران أو تأتى أحيانًا بمعنى “يفرحهم” أو “دائرة الفرح”
هلليلويا للرب الذي يحمينا، ويكون لنا ملجأ من الدوران، وأيضا نفرح بالرب الذي أنقذنا من التيه في البرية! ونعم نكون دائمًا مع الرب في أجواء من الفرح الإلهي!
٤ – قادش: تعنى مقدس
هو قدوس فهو قداستنا! نعم هو قدوس.. فكونوا أنتم أيضًا قديسين.. نعم نختبئ في بر الرب وقداسته.. وهو قد «صارَ لنا حكمةً من الله وبرًا وقداسةً وفداء» (۱كو ۱: ۱۳)
٥ – شكيم: تعنى كتف أو منكب
نعم هو يحملنا ويرفع عنا كل تعب الطريق.. لِأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ الرب: وَعَلَى الأيدي تُحْمَلُونَ وَعَلَى الركبَتينِ تُدَلَّلُونَ. (إِشَ ٦٦ :١٢).. مُباركٌ الرب، يَوْمًا فَيَوْمًا يُحَمِّلُنَا إِلَهُ خَلَاصِنَا. (مز ٦۸: ۱۹)
٦ – باصر: تعني حصن
نعم هو الحصن والملجأ كما اختبره داود وغنى في سفر المزامير: “أقول للرب ملجاي وحصني إلهي فأتكل عليه.” (مز ۹۱: ۲).. نعم هو حصن حياتي ممن أرتعب! هلليلويا! اِسْمُ الرب بُرْجٌ حَصِينٌ، يَرْكُضُ إِلَيْهِ الصديق وَيَتَمَنَّعُ. (أَمْثَال ١٨: ١٠).
يسوع مدينة ملجأ من الخطايا
"وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الفريسيين أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الفريسي واتكأ. وَإِذَا امرأة فِي المدينة كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الفريسي، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ، وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وابتدأت تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بالدموع، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بالطيب."
(لوقا ٧: ٣٦ - ٥٠)
عزيزي القاريء؛ هذه المرأة علمت أن يسوع هو الملجأ الوحيد من خطاياها، فجاءت إليه، إلى مدينة الملجأ وأمسكت بقرون المذبح! نعم أمسكت بيسوع المسيح رغم الضعف ولم تنظر إلى أحد إلا يسوع وحده. يقول الكتاب: “ووقفت عند قدميه بقارورة الطيب باكيه وابتدأت تبل قدم يسوع بدموعها وتمسحهما بشعر رأسها وتُقبل وتدهن رأسه بالطيب.”
أدركت هذه المرأة أن يسوع هو ملجأها الوحيد، والمخلص لها من كل خطاياها، وقدمت نفسها تائبة، أتت بكل ما عندها من غالي وثمين، وسمعت من فم الرب: “مغفورة لك خطاياك!” نعم هلليلويا! لا يقدر أحد أن يحكم عليها بذنوبها! هلليلويا! يسوع حمل كل ذنوبها وأخذ الحكم عنها.. ونعم أُطلقت حرة ولم تعُد تحت سلطان الخطية! هلليلويا! نعم هو برنا وقداستنا ومُقدسنا! هو ملجأنا من الخطايا – حكمها ونتائجها!
يسوع مدينة ملجأ من الخطايا
في سفر أعمال الرسل، الإصحاحات ٢٧ و٢٨، نرى الرسول بولس وهو في رحلة ذهابه إلى سجن روما، وفي هذه الرحلة تعرض الرسول بولس إلى موقفين ممتلئين بالمخاطر؛ موقف وهو في السفينة، وآخر عندما نشبت الحية في يده وهو أسير وتحت حراسه مشددة! ولكن الرسول بولس يظهر في الموقفين وكأنه لم يكن تحت هذه الضغوط، رغم تحطم السفينة بسبب الأمواج والرياح، ونشوب الحية في يده بعد نجاته من الغرق!! لكن هلليلويا! وجد بولس في الرب النجاة – مدينة الملجأ! نعم.. هذا هو إلهنا، هو الحصن وهو الملجأ، وهو الستر لنا وهو أيضًا الصخرة الثابتة التي لا تتزعزع أبدًا.. هو الرب ثابت ولا يتغير! هلليلويا!
“اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ العلي، فِي ظِلِّ القدير يَبِيتُ. أَقُولُ لِلرَّبِّ: «ملجاي وَحِصْنِي. إِلَهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ». (مز ٩١: ١-٢).
داود تحول إلى مدينة ملجأ
اختبر داود أن الرب هو الملجأ والحصن.. ويا لمجد غنى النعمة! مع مرور الأيام، تحول داود هو نفسه إلى ملجأ لكثيرين!
نقرأ في سفر صموئيل الأول ٢٢: ١-٥ عن داود، وهو في مغارة عدلام: “واجتمع إِلَيْهِ كُلُّ رَجُلٍ مُتَضَايِقٍ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَكُلُّ رَجُلٍ مُرِّ النفس، فَكَانَ عَلَيْهِمْ رَئِيسًا. وَكَانَ مَعَهُ نَحْوُ أَرْبَعِ مِئَةِ رَجُلٍ.”
في مغارة عدلام، ومعنى كلمة عدلام “ملجأ”! وتُسمى حديثا “عين الماء” أو “عيد الماء” – وهي كانت مغارة كبيرة جدًا وتتسع لمئات الرجال، اختبر داود أن يجتمع إليه ضعفاء وأناس في عوز شديد، فيتغيروا إلى أبطال بسبب النعمة المنسكبة في حياة داود! صار داود بنعمة الرب ملجأ!! نعم الرب يدعونا أن نكون مدن ملجأ للمحتاجين وكل مر نفس وكل متعب ومقيد وكل من يحتاج الى الحب والشفاء النفسي والجسدي! ونتسع جدًا ونكون ملجأ لكثيرين وكثيرين!
اسمع معي أيضًا ماذا يقول الكتاب في سفر صموئيل الثاني: “هَذِهِ أَسْمَاءُ الأبطال الذين لِدَاوُدَ: يُشَيْبَ بَشَّبَثُ ٱلتَّحْكَمُونِيُّ رَئِيسُ الثلاثة. هُوَ هَزَّ رُمْحَهُ عَلَى ثَمَانِ مِئَةٍ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً. وَبَعْدَهُ أَلِعَازَارُ بْنُ دُودُو بْنِ أَخُوخِي، أَحَدُ ٱلثَّلَاثَةِ ٱلْأَبْطَالِ ٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَ دَاوُدَ حِينَمَا عَيَّرُوا ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَمَعُوا هُنَاكَ لِلْحَرْبِ وَصَعِدَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ. أَمَّا هُوَ فَأَقَامَ وَضَرَبَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ حَتَّى كَلَّتْ يَدُهُ، وَلَصِقَتْ يَدُهُ بِٱلسَّيْفِ، وَصَنَعَ ٱلرَّبُّ خَلَاصًا عَظِيمًا فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ، وَرَجَعَ ٱلشَّعْبُ وَرَاءَهُ لِلنَّهْبِ فَقَطْ. وَبَعْدَهُ شَمَّةُ بْنُ أَجِي ٱلْهَرَارِيُّ. فَٱجْتَمَعَ ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ جَيْشًا، وَكَانَتْ هُنَاكَ قِطْعَةُ حَقْلٍ مَمْلُوءَةً عَدَسًا، فَهَرَبَ ٱلشَّعْبُ مِنْ أَمَامِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ. فَوَقَفَ فِي وَسَطِ ٱلْقِطْعَةِ وَأَنْقَذَهَا، وَضَرَبَ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَصَنَعَ ٱلرَّبُّ خَلَاصًا عَظِيمًا.” (۲صم ۱۲: ۸ – ۲۳). يصف لنا هذا الإصحاح أبطال داود، منهم مَن قتل ثمانمائة دفعة واحدة عندما هز رمحه، وآخر قام وقتل الفلسطينيين حتى لصق السيف بيده، وآخر دافع عن قطعة حقل عدس وضرب الفلسطينيين، “وصنع الرب خلاصًا عظيمًا” هلليلويا!
تخيل معي عزيزي القاريء، أن هؤلاء هم أنفسهم من اجتمعوا إلى داود في مغارة عدلام، والاصحاح يخبرنا أيضًا بأبطال كثيرين صنع بهم الرب عمل عظيمًا، ولا يتسع المجال لذكرهم هنا!
هلليلويا للرب! يحول الضعف إلى قوة، ويطلقنا ويحولنا كما حوّل هؤلاء الرجال إلى أبطال! نعم نعم! الرب يسوع هو داود الحقيقي الذي عندما نلتصق به نتحول إلى جنود وأبطال – ونصير نحن أنفسنا مدن ملجأ لكثيرين….. هلليلويا!