استرداد الشبع.. الخبز الحقيقي..
وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ:«أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ:«أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟» فَقَالُوا لَهُ:«فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ»..
(مَتَّى ٢: ١- ٦)
وُلد يسوع في بيت لحم.. هلليويا!! وُلِد الملك في”بيت لحم”، ومعناه في العبرية “بيت الخبز”… كان بيت لحم، أو بيت الخبز، خلال بعض الأوقات في العهد القديم، فارِغًا من “الخبز”.. نقرأ في سفر راعوث عن مجاعة حدثت في بيت لحم، مما اضطر عائلة نُعمي أن تهاجر من بيت لحم، أو من بيت الخبز حيث لا خبز، إلى موآب! وقد كان يُنظَر عامةً، في العهد القديم، لبيت لحم على أنها البلدة الصغرى بين أراضي يهوذا كما يتضح من نبوة ميخا التي يذكرها البشير متى.
وللخبز قصة مُعَبِرَة في التقليد اليهودي. إذ يذكر التقليد اليهودي، أنه عندما هُدِم هيكل سليمان، أخذ إرميا النبي قسط المن من تابوت العهد، وأخفاه. واستقر في التقليد اليهودي أنّ هذا إشارة إلى اختفاء كل ما يتعلق بالمن، أو ما يتعلق بخبز السماء، ونجد صدى لهذا التقليد في قول سفر الرؤيا ” مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ الْمُخْفَى” (رؤ٢: ١٧).
إذًا بحسب التقليد اليهودي، المن مُخفى إلى أن يأتي المسيح الذي سيُعيد إعطاء الخبز الذي من السماء للشعب اليهودي.. بيت الخبز فارِغًا من الخبز، والمن السماوي مُنقطِع، والشعب في حالة انتظار لمَن يأتي له بالخبز، ويعيد له الشبع!
كانت الأمة اليهودية، في الوقت السابق مباشرة لميلاد المسيح، تحيا في حالة جوع حقيقي.. فقد انقطع الصوت النبوي لأربعمائة عام عُرِفت بسنوات الصمت النبوي.. لا نور ولا إعلان.. لا خبز ولا شبع!! مجرد تديُن عقيم، والتزام شكلي بالوصايا!! وبالطبع إذا كان شعب الله، الذي من المُفتَرَض أنه المُرسَل إلى العالم، يحيا في هذا الجوع، فكم بالحري باقي الأمم!! كان الجوع حقيقي جدًا والشبع بدا بعيدًا جدًا عن المَنال!
في وسط هذا القحط والعوز.. إذا بنجم ملك الملوك يضيء السماء!! أتى المسيح، وتغير التاريخ!! وُلِد يسوع في بيت لحم… وُلِد في بيت الخبز.. ليُلملِّم خيوط القصة كلها ويُعلن أنه هو الخبز الحقيقي النازل من السماء.. النازل في بيت الخبز.. ها بيت الخبز يمتليء بمجد!! ويأتي مجوس المَشرق ليعلنوا أنّ بيت لحم لم يعد مهجورًا.. وأنّ هذه البلدة لم تعد الصُغرى.. بل صارت مقصِد لحكماء العالم الذين يبتغون الشبع من الخبز الحقيقي! وُلد يسوع ليُغير واقع الجوع والاحتياج والشُح.. لواقع جديد من الشبع والفيض والامتلاء. الشعب الجائع الحائر الباحث عن الخبز، أستُعلنَ له الخبز الحقيقي، بحسب النبوات في بيت الخبز، لكي يميز ولا يتحير.. من يريد الخبز الحقيقي، فليذهب إلى بيت الخبز.. بيت لحم.. هناك سيجد مولود المذود.. يسوع.. الشبع الحقيقي!
في معجزة إشباع الجموع، يقف يسوع ويرفع الخبز إلى السماء ويبارك ويعطي الشعب.. يعطي للشعب خبزًا ويشبعهم، مُذكرًا إياهم بالمن المُخفَى وبالمسيا المُنتظر!! ويتذكر الشعب ويلتفت أغلبهم للإشارة المسيانية، ولكن غير مميزين للأوقات والأزمنة، فيتفقوا مزمعين “أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا” (يو٦: ١٥).. فقد فهموا أنه هو المسيا الذي أخبر عنه إرميا أنه سيُعيد زمن الشبع.. زمن الخبز الحقيقي! ولكن لم يعلموا أنه هو هو نفسه الخبز الحقيقي النازل من السماء، الخبز الحي الذي سيُطحَن ويُسحَق لأجلنا، ويعطي جسده على الصليب لأجل خلاصنا.. ويقف يسوع بعد معجزة إشباع الجموع، ليُعلن: “أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ… أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ… أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ.” (يو٦: ۳٥، ٤٨، ٥١). هلليلويا!! الخبز الحي.. أتى من السماء.. أتى إلى بيت الخبز.. وُلد يسوع في بيت لحم.. صار للجوعى شبعًا عظيمًا!! يسوع.. المن المُخفَى!! استُعلِنَ الشبع الحقيقي.. وصار ميلاد يسوع امتلاءًا لمَن يطلب امتلاء!! أتت أزمنة الامتلاء!! وصار الشبع ميراثًا لكل مَن قبلوه..
ميلاد يسوع… استرداد أزمنة الشبع.. استرداد الخبز الحقيقي.. خبز الحياة… الاحتفال بميلاد يسوع هو بوابة نعبر من خلالها في كل عام للتمتُع بمستوى جديد من الشبع والامتلاء بالرب.. الخبز الحي.. الروح القدس يفتح لنا أبواب جديدة لنشبع بيسوع.. نجلس أمامه.. نستمع إلى كلمته أو نقرأها.. نتقدم إلى مائدته.. نأكل المن الحقيقي.. نتحد به.. ونتغير لصورته!! هلليلويا.. نُعيِد ليسوع.. ونتذوق ونشبع بمَن نُعيِد لأجله.. نعيد بميلاد يسوع.. الخبز الحي.. المولود في بيت الخبز.. نشبع به.. هو حياتنا.. به نحيا ونتحرك ونوجد.. أليس هو خبزنا النازل من السماء لأجل حياتنا!! نعرفه.. شركة آلامه وقوة قيامته.. سُحِقَ الخبز الحقيقي لأجلنا.. وقام مُنتصرًا جامعًا إيانا في خبزة واحدة.. “الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ” (١كو١٠: ١٦)..
أبي السماوي.. لتُشبعنا بحبك في هذا العام الجديد.. لنجلس أمامك ونمتليء بجود بيتك!! لنرى ابنك يسوع في كل آية من آيات الكتاب المقدس.. لنسمع صوت روحك يهمس فينا بأسرار الملكوت.. آه أيها الآب السماوي.. كم نحبك.. اشبعنا بالخبز الحقيقي.. أشبعنا في هذا العام بيسوع.. مُنتهى الشبع.. اشبعنا بما لنا من ميراث في ابنك يسوع.. ولنسمع دائمًا صوته الحاني العظيم هامسًا في قلوبنا.. أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ.” (يو٦: ٥١)… هلليلويا!!