أَخْبِرْنِي يَا مَنْ تُحِبُّهُ نَفْسِي، أَيْنَ تَرْعَى، أَيْنَ تُرْبِضُ عِنْدَ ٱلظَّهِيرَةِ!!
(نَشِيدُ ٱلْأَنْشَادِ ١: ٧)
أخبرني يا مَن تحبه نفسي، يا راعي نفسي الأمين، في وقت الظهيرة، وقت حرارة الشمس، أين تأخذ الغنم لتشبعها وتريحها وتجعلها تضطجع بسلام؟!
وقت الظهيرة – منتصف النهار بالضبط – وحرارة الشمس على أشدها، يقود الراعي خرافه لمياه الراحة ولمراعي الشبع الخضراء المختبئة من حرارة الشمس في ظلال الجبال، حيث يأكل الخراف ويستلقون على العشب الأخضر، ويستمتعون بالملمس الرطب في منتصف اليوم، بينما الشمس -بعيدًا عن سكناهم مع الراعي- حارقة!!
بينما ترعى وتربض الخراف، أرى الراعي أيضًا يستلقي على جنبه مستندًا على ذراعه مستريحًا، إذ يراقب خرافه، بعضها يأكل، وبعضها يشرب، وبعضها يلهو، والبعض الآخر مضطجع في الظل مستمتعًا!
إنه وقت القيلولة!!
هذا وقت يشبه في تراثنا الشرقي الحضري، وقت “العصاري” أو نوم الظهيرة!! حينما يرتاح الأب والأم في منتصف اليوم (ما بعد الظهيرة في الحضر)، استعدادًا لنصفٍ جديدٍ من اليوم! وقت القيلولة هذا دائمًا يحمل للأطفال دفء العائلة، إذ يكون مُعبَّأ برائحة البيت والأمان! فبينما الأب والأم يأخذان قسطًا من الراحة -خاصة في وقت الصيف- يحمل وقت القيلولة للأطفال إحساسًا عميقًا بالاستقرار، وتطلعات نحو أمسية مُبهجة، قد يخرجون فيها للفسحة أو التسوق أو الزيارات العائلية أو حتى الالتفاف معًا حول تسلية عائلية أو وجبة منزلية!! وحتى في الشتاء، فإن وقت القيلولة محبوب، لأنه كلما طال، كلما قصُر وقت الاستذكار المُجهِد الذي يليه!!
إذا اشتدت الشمس، لا نخشى!! وإذا انتصف النهار، لن يضربنا الحر!!
راعينا الأمين معنا! يقودنا حيث المرعى والمربض، نشبع ونستلقي في راحة وأمان!! يُطرَد الخوف لأن الراعي معنا!! وجهه المواجه لنا والممتليء بالراحة أمام وجوهنا، يجعلنا نثق ونستدفيء ونُشفَى ونُطلَق لرحلات ما بعد القيلولة!!
وقت القيلولة يحمل لنا شبع وشفاء يكفي لرحلات عائلية جديدة!! وقت القيلولة يجدد دفء البيت بشعاع الشمس الذهبي المنفلت من فتحات الشيش، والذي إذ يراه الأطفال أمام عيونهم واقعًا متحدًا ببيتهم، يطمئنون له ويودون إمساكه بين أصابعهم!! اتحاد الشعاع المضيء بهواء البيت يخلق فهمًا أصيلاً بداخل أفراد الأسرة أن النور يمثل أحد أساسات حياتهم وبيتهم وعائلتهم!! وبدون النور لا قيلولة ممتلئة دفء وطمأنينة!!
وبينما نرعى ونربض في الظل وقت الظهيرة، يرتب الراعي لنا أفكار ورؤى وخطط ما بعد القيلولة!!
كلما شبعنا وربضنا مرتاحين في القيلولة، كلما وجدنا طاقات منفجرة بداخلنا لرحلات ما بعد القيلولة!!
من فضلك، لا تدع القلق والضوضاء والاهتمام بأمور الحياة اليومية والانشغال بنفسك وظروفك يسلبك وقت القيلولة!! اسأل الراعي أين يرعى وأين يُربض وقت الظهيرة!! لتلتصق به! ليصنع لك وقت قيلولة بحسب قلبه!! تشبع وتربض فيها!! وتمتليء دسمًا!! فقد تجد نفسك بعد القيلولة في بداية رحلة مجد جديدة طويلة تحتاج طاقة واستمرار بقوة وثبات!!
استرح في القيلولة مراقبًا الراعي! أو مراقبًا النور! فكليهما واحد!!
نعمة فوق نعمة