عندما تكلم المسيح عن المؤمن مُستخدمًا طرق وتشبيهات مختلفة، لم يكن المسيح يوضح لنا نفس الفكرة من خلال مترادفات، لكنه كان يتحدث عن زوايا مختلفة من حياة المؤمن، لكنها مُكملة بعضها لبعض، أي مُتكاملات، أمور تكاملية لوصف الأبعاد المختلفة لحياة المؤمن. بكلمات أخرى، المسيح لم يكن يصف ذات الأمر -أو ذات البعد في حياة المؤمن- بتشبيهات مختلفة، لكنه كان يصف أبعاد “تكاملية” “مختلفة” في حياة وتكوين المؤمن، من خلال تشبيهات تكاملية مختلفة.
فمثلاً، وصف المؤمن بكونه تلميذ لا يترادف مع وصف المؤمن بكونه غصن في الكرمة. ولكن، ومع كونهما بُعدَان غير مترادفين، هما في نفس الوقت مرتبطان بعضهما ببعض، وغير منفصلين، بل ويكمل كلٌ منهما الآخر.
فبشكلٍ عام، التشبيهات العملية (تلميذ-جندي-متسابق؛ إلخ) لا يمكن فهمها بمعزل عن التشبيهات المستيكية/السرائرية (غصن-نور؛ إلخ).
فالتشبيهات العملية تعطي “آليات” الحياة المسيحية، بينما التشبيهات المستيكية/السرائرية تشير إلى “الطاقة” اللازمة لتفعيل هذه الآليات.
فعلى سبيل المثال، التلمذة (أمر عملي) لا يمكن أن يُتَمَم بدون تدفق عصارة الكرمة (أمر سرائري/مستيكي). لذا نجد ذكر (التلمذة) في قلب حديث الرب عن كونه الكرمة ونحن الأغصان.. “أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا… بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي.” (يو١٥: ٥، ٨)
والأمر هنا يشبه ماكينة تعمل بالكهرباء، هذه الماكينة لها آلية محددة في العمل، بمعنى أن التروس تدور معًا بشكل معين في اتجاهات محددة بزوايا محددة لإنتاج منتج محدد، ولكن هذه الآلية بكاملها لا يمكن أن تعمل بدون أن تكون الماكينة موصلة بالتيار الكهربائي..
ورجوعًا إلى مثالنا، التلمذة بآلياتها هي الماكينة بتروسها، وتدفق عصارة الكرمة هنا يشير إلى توصيل الطاقة الكهربائية.
مفردات التلمذة – كالتوجيه الممنهج وتقديم المثال والتشجيع، إلخ.. – لا يمكن أن تُتَمِم القصد وحدها؛ بدون تدفق عصارة الكرمة – التي هي قوة الحياة الإلهية المتدفقة من خلال الامتلاء بالروح واختبار الحضور الإلهي والثبات فيه. أي أن فاعلية مفردات التلمذة تتوقف على تدفُق الحياة الإلهية في كيان التلميذ.
ليس فقط لأن عصارة الكرمة هي “الطاقة” اللازمة للتلمذة، لكن لأن أيضًا عصارة الكرمة هي المُحدِد الأساسي لنوعية التلميذ الناتج عن عملية التلمذة، بكلمات أخرى، فإن العصارة المُتدفقة هي التي تُحدد “جوهر” المنتج النهائي للتلمذة، بينما آليات التلمذة هي التي تُحدِد “صلابة وتشكيل واتساق واتجاه” هذا المنتج النهائي.
ولفهم هذه النقطة، يمكننا ببساطة التذكير بأن الكثير من الديانات (الشرقية والغربية) لديها فكرة التلمذة من خلال آليات ومناهج مختلفة، ولكل منها منتجها النهائي الذي يشير بشكل ما، إلى منهج تكوينه والقوة الكامنة وراء تشكيله بالطريقة التي تشكل بها.
لكن، ما يميز التلميذ المسيحي، ليس أنه فقط تلميذ يتبع منهج أو آليات تلمذة محددة، لكن أنه غصن مُثبت في الكرمة الإلهية! أي أن هذه الصلة الكيانية القائمة بين الكرمة وأغصانها والمُفَعلة بعصارة متدفقة في الأغصان، هي الجوهر الحي الأساسي الذي يعطي عملية التلمذة المسيحية ليس فقط طاقتها، لكن أيضًا يحدد اتجاهها وجوهر منتجها النهائي (التلميذ)! ولأجل الإيضاح بشكل أبسط، على سبيل المثال، فإن محبة الأعداء هي أحد مفردات التلمذة المسيحية، والمسيح هو مثالها. وعلى الرغم من أن كثيرون يعرفون عن المبدأ والمثال، إلا أن هذه المعرفة لا تكفي لتلمذتهم لكي يحيوْا هذا المبدأ! ما يُمكِن التلميذ المسيحي حقًا أن يحيا هذا المبدأ هو قوة العصارة (عمل الروح القدس) المتدفقة في كيان هذا التلميذ لكونه غصن متصل بالكرمة.
وهنا يظهر جليًا أن الوجود والثبات الكياني في الكرمة (الرب يسوع) واستقبال العصارة بشكل كياني مستمر (من خلال تكرار اختبارات الامتلاء بالروح واختبار الحضور الإلهي) هو جوهر تفعيل عملية التلمذة وضمان نتائجها. إذ أن التلمذة المسيحية ليست فقط تلمذة لأجل الالتزام بنمط حياة، لكنها تلمذة لأجل تشكيل كيان حي يحيا ملتزمًا بنمط حياة – أي تشكيل كياني يتم بقوة الروح (العصارة المُتدفقة في الأغصان) لأجل تمكين التلميذ (الكيان المُشكَل) من إتمام مفردات حياة التلمذة اليومية.