صديقي…
هل مرت بك أوقات شعرت فيها أن الله يكلمك بكلمات تبدو أكبر منك بكثير؟!… هل تشعر في مرات كثيرة أن الله يدعوك لحياة ليست كالحياة الطبيعية التي يحياها كثيرون حولك؟!… هل تجد نفسك في مرات كثيرة تفكر في مستقبلك بطريقة مختلفة عن الطبيعي مما قد يجعل بعضًا ممن هم حولك لا يفهمونك؟؟.. أو يقولون عن الأحلام التي وضعها الله بداخلك، أنها أحلام لا تصنع حياة طبيعية أو مستقرة بلغتِهم؟!! هل تجد بداخلك إيمان حقيقي قوي أن الله يريد أن يستخدمك رغم ضعفك؟!.. وأنّ الله له دعوة خاصة على حياتك؟ وأن دعوته أقوى بكثير من كل إقناعات منطقية تحاول أن تدفعك لتحيا حياتك بطريقة عادية؟؟هل تشعر أن بداخلك شوق حقيقي، ونار إلهية لتكون في ملء دعوة الله الخاصة ومشيئته لحياتك؟؟
عزيزي القاريء.. إنّ الكلمات الآتية هي لك!!
الكتاب المقدس يمتليء بشخصيات حياتهم كانت حياة فوق طبيعية.. كثيرون دعاهم الرب.. وكانت الدعوة أكبر منهم بكثير.. كانت دعوة لحياة فوق طبيعية!! صدقوا الدعوة الإلهية.. وأعطوا حياتهم للرب بتسليم كامل، فصنع الرب بهم عجائب وآيات.. عزيزي…قد تكون أنت واحد من هؤلاء الذين يدعوهم الرب!!.. وفي هذا المقال سأتكلم معك عن واحد من أعظم هؤلاء الرجال الذين دعاهم الرب، استجاب للدعوة، فعاش مع الرب حياة فوق طبيعية… إنه رجل الله، رجل الإيمان… إبراهيم…
كان إبراهيم في بداية حياته يعيش حياة طبيعية (تك ١١׃ ٢٧– ٣٢).. كان يعيش في أور الكلدانيين. وبعد ذلك قرر أبوه تارح أن يترك أور ليذهب إلى أرض كنعان.. وفي الحقيقة يخبرنا سفر الأعمال أن الرب شخصيًا كان قد ظهر لأبرام في نفس الوقت وأمره أيضًا أن يترك أور الكلدانيين ليذهب إلى الأرض التي يريه إياها الرب… “ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو في ما بين النهرين، قبلما سكن في حاران، وقال له: أخرج من أرضك ومن عشيرتك، وهلم إلى الأرض التي أريك. فخرج حينئذ من أرض الكلدانيين…” (أع ٧׃ ٢–٤)… وعلى هذا تحرك إبراهيم مع أبيه.. لكن بعد هذا يقول أيضًا سفر التكوين أن تارح قرر أن يستقر في حاران!! وكان هذا نصف الطريق بالنسبة لدعوة إبراهيم!!… ولكن يظهر الله بعد هذا لأبرام مرة أخرى ويقول له: “اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك، وتكون بركة. وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض…” (تك ١٢׃١ -٣)..
رغم أن تارح أبا إبراهيم توقف، إلا أنّ دعوة إبراهيم ثابتة ومستمرة!! صديقي.. إذا كان الله قد دعاك.. آمن أن دعوته لك هي دعوة ثابتة ومستمرة.. مهما كان سنك أو ظروفك أو امكانياتك!!
انظر معي ماذا حدث بعد ذلك لأبرام!! يقول الكتاب أنّ أبرام أطاع الله، وترك أهله وعشيرته (تك ١٢׃٤، ٥)… ويعود الله ليقول له أنه سيجعله أمه عظيمة، وسيباركه، ويعظم اسمه… ويَعِدهُ الله بأنه سيعطيه نسلاً كرمل البحر وكنجوم السماء.. وسيملك هذا النسل الأرض، ويكون له ميراث… وسيأتي من هذا النسل المخلص يسوع..!! وتمر الأيام والسنون.. وتتحقق كلمات الله لإبراهيم!!.. ولكن صديقي.. انتبهههههههه.. لكي تتحقق هذه الدعوة في حياة إبراهيم، كان لابد لإبراهيم أن يجتاز في بعض الأمور والدروس.. يختبرها… ويمر بها.. وهذه الأمور هي أمور هامة جدًا لتحقيق الدعوة الإلهية في حياة كل مَن يدعوه الرب… لذا سنتحدث عنها قليلاً في السطور الآتية…
الإيمان.. والطاعة...
كان على إبراهيم أن يصدق ويؤمن… نعم، لكي تتحقق دعوة إبراهيم، كان لابد أن يعيش إبراهيم بالإيمان!! يحيا الدعوة ويصدقها، حتى لو كانت تبدو كبيرة وعظيمة عليه!! كان لابد أن يصدق إبراهيم كلمات الله.. ويؤمن أنّ الذي وعد هو صادق وأمين.. كان لابد لإبراهيم أن يصدق الله ويؤمن بكلماته ودعوته، أكثر بكثير من تصديقه لضعفه الشخصي…
لكن أيضًا، كان على إبراهيم أن يطيع… لا يكفي أن تؤمن!! لكن عليك أن تطيع الله في كل أمور حياتك!! إبراهيم آمن وصدق.. لكن أيضًا أطاع.. اسمع معي ماذا تقول رسالة العبرانيين عن إبراهيم… “بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدًا أن يأخذه ميراثًا..” (عب ١١׃ ٨)… نعم صديقي… لتحقيق الدعوة في حياتك، عليك أن تطيع الله.. إذا قال لك اخرج.. يجب عليك أن تخرج!!… وإذا قال لك أن تذهب لمكان لكي تخدمه.. فعليك أن تطيع.. ولا تفعل كما فعل يونان.. حتى لو كان المكان الذي يرسلك إليه الرب هو مكان صغير وامكانياته قليلة.. آمن أنّ الله يعطيك القوة والقدرة الإلهية.. فليس بالقوة أو بالقدرة البشرية، لكن بروحي قال رب الجنود… ليس بقوتك ولا بقدرتك لكن بقوة روح الله… وإذا قال لك الرب أن تترك أمور تشغلك عنه، أو أمور من العالم.. عليك أن تطيع.. اسمع ماذا يقول الكتاب عن الطاعة: “إن سمعوا وأطاعوا قضوا أيامهم بالخير وسنيهم بالنعم” (أي٣٦׃ ١١)… وأما عن عدم الطاعة فيقول: “ولمَن أقسم: لن يدخلوا راحته.. إلا للذين لم يطيعوا..” (عب ٣׃ ١٨)…
الإتكـال على الرب...
ماذا كان المطلوب من إبراهيم أن يفعل بعدما آمن وأطاع؟!.. هل كان عليه أن يسير الطريق بنفسه؟.. أنظر معي ماذا حدث عندما اتكل إبراهيم على نفسه، وسمع لسارة، وأنجب اسماعيل؟!! هل حفظ نفسه في خطة الرب ومشيئته؟ بالطبع لا!!… وماذا فعل عندما ذهب إلى أرض مصر.. عندما سألوه عن سارة، امرأته؟.. خاف وقال أنها أخته، وكان سيتسبب في ضياع كل حياتهما معًا!! لماذا؟؟ لأنه اتكل على نفسه وأفكاره البشرية!!.. يقول الكتاب المقدس: “طوبى للرجل المتوكل علي الرب” (مز٣٤׃ ٨).. ويغني داود بالروح: “لأني على قوسي لا أتكل، وسيفي لا يخلصني..” (مز٤٤׃ ٦)…
عزيزي.. ماذا تفعل عندما تمر بأوقات تشعر فيها أن مواعيد الله لك قد تأخرت؟!!.. هل تتكل على نفسك، وأفكارك، وذراعك كما فعل أبرام في فترات من حياته؟!… لكن شكرًا للرب.. الله أمين وصالح.. أنقذ أبرام في أرض مصر، وأخرجه من مآزق كثيرة.. وعلمه كيف يتكل عليه بكل قلبه… وسيخرجك الرب عزيزي من نتائج أخطائك، إن آمنت به، واتكلت عليه!!
يعلمنا الكتاب المقدس الكثير والكثير عن الاتكال على الرب. يعلمنا إن مَن يتكل على الرب لا يخزى.. “عليك اتكل أباؤنا. اتكلوا فنجيتهم. إليك صرخوا فنجوا. عليك اتكلوا فلم يخزوا.” (مز ٢٢׃٤، ٥).. ويعلمنا أن نتكل على الرب، وهو يُجري كل الأمور.. “سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يُجري.” (مز ٣٧׃ ٥)… ويعلمنا أن “المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون، الذي لا يتزعزع، بل يسكن إلى الدهر.” (مز١٢٥׃ ١)… نعم.. المتوكلون على الرب مثل جبل ثابت.. بعد أن تؤمن وتطيع، اتكل عليه، وآمن أنه هو الضامن لدعوتك.. اتكل على الرب، وستجد أن الأمان والسلام والحضور الإلهي لا يُنزَع منك.. المتوكل على الرب لا يتزعزع.. بل يسكن إلى الدهر…
الإماتـة...
ابراهيم آمن، أطاع، اتكل على الرب… ومــات!! كان على إبراهيم أن يحيا الإماتة!! يضع احتياجاته، ورغباته، وحتى أحلامه عند الرب… إبراهيم كان عنده حلم، وهو أن يُنجب.. وهذا الحلم كان أيضًا حلم الله ووعده لإبراهيم… وانتظر إبراهيم تحقيق الحلم كثيرًا.. إلى أن جاء اسحق.. ثم قال له الرب أن يقدم اسحق محرقة!!.. قال له الرب: “خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، اسحق، واذهب إلى أرض المريا، واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك..” (تك٢٢׃ ٢)… وفعلها إبراهيم.. أخذ اسحق وذهب ليقدمه للرب!!.. نعم.. مات إبراهيم عن كل إحلامه، ورغباته!!.. كان إبراهيم مستعدًا أن يُمسك بالسكين، ويقتل حلمه.. ابنه.. حبيبه.. وحيده من أجل الرب.. ما أعظم عمل النعمة في حياة إبراهيم..!! وناداه الرب من السماء، ليقول له أن لا يقتل ابنه.. فالرب قد دبر كبش الفداء!!… وقام حلم إبراهيم!! وقامت دعوته!!…
إبراهيم آمن، أطاع، اتكل على الرب، وعاش الإماتة التي في مشيئة الرب… فوجد دعوته… كانت حياته فوق طبيعية..لكنها كانت بذرة حية تحمل قوة الدعوة له ولكثيرين من بعده!!… اسمع وصف الروح القدس، في رسالة العبرانيين، لحياة ودعوة إبراهيم وسارة.. “بالإيمان إبراهيم لما دعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدًا أن يأخذه ميراثًا… بالإيمان سارة نفسها أخذت قدرة على إنشاء نسل، وبعد وقت السن ولدت، إذ حسبت الذي وعد صادقًا… بالإيمان قدم إبراهيم إسحق وهو مجرب.. قدم الذي قبل المواعيد وحيده الذي قيل له: إنه باسحق يدعى لك نسل. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات…” (عب١١׃٩، ١١، ١٧،١٨)…
نعم صديقي.. تؤمن، وتطيع.. تتكل على الرب بكل قلبك.. تموت، وتقدم كل أحلام شخصية ذبيحة للرب.. سيولد لك اسحق!! نعم.. بالتأكيد سيولد لك ابن الموعد.. ستولد الدعوة ويتحقق الوعد.. ستحيا حياة فوق طبيعية.. ممتلئة بقوة قيامة الرب.. سترى الثمر الوفير… وستعرف أن الرب معك.. نعم الرب معك.. يهوه يرأه.. الإله الذي يرى الاحتياج ويسدد.. يهوه رفا.. الإله الذي يشفيك، وينقذك من أمراض المصريين.. ويفيض بشفائه فيك… نعم إيها الرب.. أنت معي.. دعوتني دعوة مجيدة.. لحياة فوق طبيعية.. تستمد قوتها منك أنت شخصيًا.. أنت حي.. فأنا سأحيا.. سأحيا في ملء دعوتك وقصدك لحياتي.. سأحيا حياة المجد.. مؤمنًا.. طائعًا.. متكلاً عليك.. ومُسلمًا لك الكل… آمين..