الانتصار على أَدُونِيَ بَازَق

أَدُونِيَ بَازَق

مشاركة المقال:

لقراءة الجزء الأول برجاء الضغط هنا

الشاهد الأساسي: قضاة ۱: ۱- ۷

“وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ يَشُوعَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلُوا الرَّبَّ قَائِلِينَ: «مَنْ مِنَّا يَصْعَدُ إِلَى الْكَنْعَانِيِّينَ أَوَّلاً لِمُحَارَبَتِهِمْ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «يَهُوذَا يَصْعَدُ. هُوَذَا قَدْ دَفَعْتُ الأَرْضَ لِيَدِهِ». فَقَالَ يَهُوذَا لِشِمْعُونَ أَخِيهِ: «اِصْعَدْ مَعِي فِي قُرْعَتِي لِكَيْ نُحَارِبَ الْكَنْعَانِيِّينَ، فَأَصْعَدَ أَنَا أَيْضًا مَعَكَ فِي قُرْعَتِكَ». فَذَهَبَ شِمْعُونُ مَعَهُ. فَصَعِدَ يَهُوذَا، وَدَفَعَ الرَّبُّ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ بِيَدِهِمْ، فَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي بَازَقَ عَشَرَةَ آلاَفِ رَجُل. وَوَجَدُوا أَدُونِيَ بَازَقَ فِي بَازَقَ، فَحَارَبُوهُ وَضَرَبُوا الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ. فَهَرَبَ أَدُونِي بَازَقَ، فَتَبِعُوهُ وَأَمْسَكُوهُ وَقَطَعُوا أَبَاهِمَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. فَقَالَ أَدُونِي بَازَقَ: «سَبْعُونَ مَلِكًا مَقْطُوعَةٌ أَبَاهِمُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ كَانُوا يَلْتَقِطُونَ تَحْتَ مَائِدَتِي. كَمَا فَعَلْتُ كَذلِكَ جَازَانِيَ اللهُ». وَأَتَوْا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ فَمَاتَ هُنَاكَ”.

–   معنى “أدوني بازق”: سيد البرق

“أدوني بازق” هو رمز لإبليس عندما يحارب المؤمن بنوعية خاصة من الحروب، أود أن أطلق عليها “حروب سلب القدرة على الإنجاز والحركة“!!.. استراتيجية أدوني بازق في مهاجمة السبعين ملكًا الذين نجح في إيذائهم ، تشبه استراتيجية إبليس في هذه النوعية من الحروب المُوَجَّهة لسلب قدرة المؤمن على الإنجاز والحركة (قض۱: ۷).

يمكن تلخيص استراتيجية العدو في هذه النوعية من المعارك في ثلاثة أمور، سأذكرها على التوالي، ثم أذكر مفاتيح ثلاثة للغلبة في هذه النوعية من الحروب.

استراتيجيات العدو في حروب "سلب القدرة على الإنجاز والحركة":

استراتيجية العدو الأولى: عامل المفاجأة:
معنى اسم “أدوني بازق” كما ذكرت قبلاً هو “سيد البرق”.. والاسم يحمل مدلول مهم لما يريد إبليس أن يفعله عادة في هذه المعارك.. إذ يبدأ العدو معارك سلب القدرة عادة بأمر مفاجيء يباغت به المؤمن، كأن يرسل كلمات مُحبِطة مفاجئة من شخص غير مُتوقَع، أو يرسل أخبار سلبية من مصدر قد يكون حتى غير مُنتَبِه لما يقوله.. وقد تكون الأمور المُفاجِئة بسيطة جدًا، كنظرة سلبية من شخص، أو حلم سريع سيء قبل وقت الاستيقاظ من النوم، أو حتى مشاجرة عابرة في الشارع مُحَمَّلة بأجواء التوتر!!.. عن طريق إرسال هذه الأمور المفاجئة والتي قد تكون بسيطة في أغلب الأحيان، يريد العدو أن يزرع مشاعر سلبية بداخل المؤمن، كأن يزرع شعور داخلي بالاستياء سرعان ما يتطور ليصبح تذمر!! أو يزرع قلق عابر، أو اتجاه سلبي سريع تجاه شخص آخر.. هذه الأمور التي يريد العدو أن يزرعها داخل المؤمن من خلال المواقف المُفاجِئة، يريدها العدو أن تكون بمثابة قنوات لسلب السلام والفرح من المؤمن وبالتالي سلب القوة والقدرة، لأن هذه الحروب كما ذكرت من قبل هي حروب هدفها في الأساس سلب قوة وقدرة المؤمن على الإنجاز!

استراتيجية العدو الثانية: سلب القوة والقدرة على الانجاز بشكل مباشر:
قطَّع أدوني بازق أباهم أيادي الملوك!! إلى ماذا يشير هذا الفعل؟ يشير هذا الفعل إلى رغبة العدو في سلب قدرة المؤمن على الانجاز بشكل مباشر.. فاليد تشير إلى القدرة على العمل، وإبهام اليد هو المتحكم في قدرة اليد على أن تُمسك بالأشياء.. لذا فقطع إبهام اليد يَشلَّها عن القدرة على العمل وخصوصًا العمل اليدوي الذي يحتاج قوة، وهذا رمز لرغبة العدو في تعطيل الأمور الهامة في حياة المؤمن والتي تحتاج لتركيز وإنجاز!! يريد العدو في هذه الحرب إيقاف المؤمن عن التقدم فيما ينجزه في حياته العملية والروحية!!

والآن سأشرح أمر هام، يربط الاستراتيجية الأولى للعدو بالاستراتيجية الثانية. في الاستراتيجية الأولى، إذا نجح العدو في زرع المشاعر السلبية بداخل المؤمن، من خلال المواقف البسيطة التي أشرنا لها، سيكون قد نجح في استنزاف قوة المؤمن تدريجيًا.. وسيبدأ المؤمن يشعر بأنه مرهق أو بأن روحه مغلقة، أو بأنه “ثقيل” في الروح بمعنى إنه غير قادر على التواصل مع الروح القدس، ويبدأ يشعر بأنه غير قادر على عمل أي شيء في هذا الوقت لشعوره بالوهن والضعف .. وهنا يدخل العدو بالاسترتيجية الثانية، وهي محاولة إقناع المؤمن بأفكار مباشرة في الذهن بأنه غير قادر على فعل أي شيء يحتاج لإنجاز الآن!! أو بلغة الرمز، إقناع المؤمن أن إبهام يده مقطوع!! فمثلاً يحاول العدو أن يقنعك بأنك غير قادر على إكمال عملك اليوم!! أو أنك لن تستطيع أن تذاكر الآن.. أو أنك لن تستطيع أن تذهب إلى الاجتماع وأنت في هذه الحالة!! وأن كل ما تستطيع عمله الآن هو أن تنام!! ويبدأ العدو يُضخم الأمور… لأن هدفه الأساسي في هذه الحرب، كما أشرنا، هو تعطيل المؤمن عن ما يفعله، وإيقاف ما ينجزه عمليًا سواء في حياته العملية أو في علاقته مع الرب!!

استراتيجية العدو الثالثة: سلب اتزان المؤمن:
ماذا فعل أدوني بازق أيضًا؟ قطع أباهم أقدام الملوك!! قطع الإبهام يُفقِد الإنسان القدرة على الاتزان أثناء الوقوف!! في هذه الحروب يريد العدو أن يُفقِد المؤمن اتزانه، حتي يجعله يترنح كالسكران!! وبهذا يضمن العدو أن المؤمن بالتأكيد لن يجد القدرة على الانجاز في حياته..

وهكذا، فإن العدو في حالة نجاحه في الأمرين الأولين، ينتقل مباشرة لهذا الأمر الثالث!! فإذا نجح، اولاً، في هجومه المفاجئ من خلال مواقف صغيرة أن يسلب المؤمن قوته، وإذا نجح، ثانيًا، في تعطيل المؤمن وإيقافه المؤقت عن الإنجاز، فإنه لا يكتفي بهذا!! بل مباشرة يتحرك، التحرك الثالث، ليُفقد المؤمن اتزانه من خلال سلب أكثر للقوة!! إحباط,, حروب في دائرة القداسة.. تعطيلات أخرى مفاجئة تزيد من حنق المؤمن وميله إلى الانسحاب!! وهكذا!! وإذا لم ينتبه المؤمن، قد تضيع منه أيام وأيام وهو غير قادر على الانجاز أو الحركة!! يخبرنا سفر أشعياء أن أحد أهداف نشاط العدو في أرض مصر هو أن تسود حالة يسميها الكتاب “ترنح السكران”!! وعلى الرغم أنها في هذا الإصحاح مرتبطة بروح الغي، إلا أننا يمكننا أن ننظر إليها على أنها أحد أهداف الشيطان التي يريد أن يصنعها في مصر!! لذا فإن علينا كمؤمنين مصريين أن ننتبه لهذا!! ونكون حذريين جدًا من هذه النوعية من الحروب التي تهدف إلى إفقاد المؤمن اتزانه من خلال الاسترتيجيات التي تكلمنا عنها…

والآن إلى مفاتيح النصرة!!

المفاتيح الروحية للغلبة في حروب "سلب القدرة على الإنجاز والحركة":

المفتاح الأول للغلبة: الصلوات السهمية:
أو كما أحب أن أدعوها “صلوات وإعلانات فلاش”… الصلوات السهمية أو “صلاة فلاش” هي صلوات سريعة جدًا، كسرعة “السهم” أو كسرعة “الضوء الناتج عن فلاش كاميرا التصوير”، يطلقها المؤمن في نفس لحظة هجوم العدو عليه.. وكما يريد العدو أن يجعل هجومه سريعًا مثل البرق، فهكذا يعطي الروح للمؤمن صلوات سريعة جدًا مُوَجَّهة ضد سهم العدو، وسرعتها تفوق سرعة هجوم العدو!!.. عندما يأتي العدو بهجوم مفاجيء ليفتح به قناة سلبية بداخلك، رُد عليه بصلاة سهمية إلى الرب أو بإعلان نبوي سهمي من كلمة الرب… رَد الفعل السريع المُقاد بالروح القدس يغلق القناة السلبية التي يريد العدو أن يفتحها.. أيضًا الصلاة بالألسنة في هذه اللحظات تشوش العدو جدًا وتُدخِل المعركة في مستوى آخر العدو لا يقوى عليه فيهرب!! الصلوات السهمية هي صلوات معركة.. صلوات ميدان قتال.. يمكنك إطلاقها في الشارع أو في المنزل أو في الجامعة أو في العمل أو في أي مكان.. ليلاً أو نهارًا أو فجرًا أو في أي وقت!!

المفتاح الثاني للغلبة: التسبيح بحماس وبصوت مُرتفع!!
هل لاحظت عزيزي أن الرب هو مَن اختار سبط يهوذا لهذه الحرب؟ نعم الرب اختار يهوذا، ويهوذا أخذ معه أخيه “شمعون” والسبطين لهما معنى نبوي فيما نتأمل فيه الآن، ويقدما لنا المفتاحين الثاني والثالث من مفاتيح النصرة في حروب “سلب القدرة على الإنجاز والحركة”!!

معظمنا يعرف أن سبط يهوذا هو سبط معناه النبوي هو التسبيح والحمد للرب، وهذا صحيح وهام لموضوعنا هذا!! ماذا فعل يهوذا؟ قطَّع أباهم أيدي أدوني بازق. في الواقع، سبطا يهوذا وشمعون قطعا أباهم أيدي وأرجل أدوني بازق!! ولكننا في سياق كلامنا عن سبط يهوذا سنتأمل في معنى قطع أباهم الأيدي، ونترك معني قطع أباهم الأقدام لسياق كلامنا عن شمعون في المفتاح الثالث.

يهوذا.. سبط معناه النبوي يتحدث عن التسبيح.. التسبيح في أوقات “حروب سلب القدرة على الإنجاز” يقلب المعركة بالكامل على العدو!! يعكس التسبيح خط سير المعركة!! ما يريد العدو أن يصنعه معك، يجده يُصنَع معه هو!! فالعدو يريد أن يوقفك عن الإنجاز.. التسبيح يوقفه هو عما يريد أن يفعله!! التسبيح يَشِّل قدرة العدو على التقدم في المعركة.. التسبيح يقطع أصبع العدو!! فلا يقوى على قطع إصبعك!! عندما تُسبح يأتي القدوس الساكن وسط تسبيحات شعبه، فيفنى العدو!! عندما تُسبح تتحرك ملائكة الرب المُسَّبَح، فتصنع انتصارات، وتفر الأرواح الشريرة، ويُهزم أدوني بازق!!

المفتاح الثالث للغلبة: الاستماع للرب! 
صديقي، إذا نجح العدو في استنزافك وهزيمتك في الجولة الأولى والثانية… لا تيأس!! أي إذا طبق العدو استراتيجيات الحرب الأولى والثانية ونجح فيهما معك بالفعل وعطلك جزئيًا عن أمر كنت تقوم به.. لا تيأس!! لكن المهم أن تهدأ لتستمع لصوت الرب!!

شمعون” السبط الثاني الذي استخدمه الرب للانتصار على أدوني بازق، معناه النبوي “الاستماع”، وأود أن أربطه بحديثي عن الانتصار على رغبة العدو في أن يُفقدك الاتزان.. 

يريد العدو أن يفقدك الاتزان (قطع أباهم الأقدام).. ولكن، باستماعك لصوت الرب فأنت تُفوِّت على العدو هذه الفرصة.. لا يوجد شيء يمكن أن يعيد للمؤمن اتزانه قدر سماع المؤمن لصوت الرب!!.. استطاع شمعون “الاستماع” أن ينتصر على أدوني بازق!! استماعك للرب، يضعك في المكان الصحيح، فتنهزم روح الغي، والترنح المرتبط بها!!

عزيزي، إذا أفقدك العدو إنجازك في شيء ما… لا تحاول محاولات بالجسد لاستعادة هذا الإنجاز.. اذهب للرب.. استشره ماذا تفعل.. في هذه الأوقات نحتاج جميعًا إلى كلمات تشجيع، والرب وحده هو القادر على تشجيعنا بحق.. تشجيعات الرب في قلوبنا تملأنا بالحماس.. وتعوضنا عن الطاقة المفقودة.. تشجيعات الرب تملأنا بالروح من جديد!! فتُجدد قوتنا وقدرتنا على الحركة والعودة للإنجاز.. كما أن كلمات الرب قد تحمل لنا توجيه للمكان الذي فقدنا فيه القوة، أين سقطت الفأس، وفي بعض الأوقات الأمر يحتاج للتوبة!! كما أن كلمات الرب قد تحمل لك توجيهًا عمليًا خاص باستعادة واسترجاع ما كنت تفعله وتوقفت عنه بسبب الحرب!!

عزيزي.. الرب معك، ونلتقي في الدرس القادم من دروس في الحرب الروحية.. يعظم انتصارنا بمن أحبنا!

فكرتين عن“الانتصار على أَدُونِيَ بَازَق”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عن المؤلف

Picture of د. ثروت ماهر
د. ثروت ماهر
الدكتور ثروت ماهر هو رجل نهضات وخادم متفرغ للوعظ والتعليم والكتابة والبحث اللاهوتي. حصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة الزقازيق، ثم بكالوريوس الدراسات اللاهوتية بامتياز من كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، ثم درجة ماجستير اللاهوت بامتياز من الكلية نفسها. وبعد ستة سنوات من الدراسة بجامعة ريجينت بفرجينيا، حصل الأخ ثروت على درجة الدكتوراة بامتياز في اللاهوت والتاريخ (PhD) من جامعة ريجينت في مارس ۲۰۱۹. كما يخدم د. ثروت ماهر في منصب العميد الأكاديمي بكلية لاهوت الإيمان الوسلية بميدان فيكتوريا منذ عام ٢٠١٩، وهو عضو بلجنة اعتماد كليات اللاهوت الدولية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد أسس دكتور ثروت ماهر، وزوجته جاكلين عادل، في سبتمبر عام ٢٠١٦، خدمة السماء على الأرض وهي خدمة تعليمية تعبدية لها اجتماع أسبوعي بكنيسة المثال المسيحي بشبرا.