الْحِكْمَة… (الجزء الثالث)

مشاركة المقال:

الشواهد الكتابية الأساسية:

وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ. (يعقوب ۱: ٥)
وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا، وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. (متى ۲٥: ۲ – ٤)
أَرْبَعَةٌ هِيَ الأَصْغَرُ فِي الأَرْضِ، وَلكِنَّهَا حَكِيمَةٌ جِدًّا: النَّمْلُ طَائِفَةٌ غَيْرُ قَوِيَّةٍ، وَلكِنَّهُ يُعِدُّ طَعَامَهُ فِي الصَّيْفِ. الْوِبَارُ طَائِفَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلكِنَّهَا تَضَعُ بُيُوتَهَا فِي الصَّخْرِ. الْجَرَادُ لَيْسَ لَهُ مَلِكٌ، وَلكِنَّهُ يَخْرُجُ كُلُّهُ فِرَقًا فِرَقًا. الْعَنْكَبُوتُ (الجيكو) تُمْسِكُ بِيَدَيْهَا، وَهِيَ فِي قُصُورِ الْمُلُوكِ. (أمثال ۳۰: ۲٤ – ۲۸)

انتباه.. لنأخذ الأمر بجدية!

عزيزي القاريء؛ في الجزءين السابقين من هذا المقال التعليمي، تناولنا معًا تعريف الحكمة، وأسباب احتياجنا للحكمة، كما تحدثنا باستفاضة عن صفات الحكمة الإلهية النازلة من فوق. في الجزء الأخير – الثالث – من هذا المقال نتناول أجزاء من كلمة الله تساعدنا على اختبار مقدار الحكمة في حياتنا، وتُمَكِنُنا من إجابة السؤال الذي ختمنا به الجزء السابق من هذا المقال: “إلى أي مقدار أنا أحيا حياة الحكمة الإلهية؟” وبكلمات أخرى، فإن الغرض من هذا المقال هو مساعدة كل قاريء على اكتشاف مقدار الحكمة الفعلية في حياته؛ من خلال اكتشافه لمقدار تطبيقه الفعلي للتعليم الكتابي في الحياة اليومية؛ وهذا يتفق تمامًا مع تعريف الحكمة البسيط الذي ذكرناه في الجزء الأول من هذا المقال، والذي يقول: إن الحكمة هي القدرة على تطبيق المعرفة.

(يُرجى مراجعة الجزءين السابقين من هذا المقال: مقال الاحتياج للحكمة الإلهية: /http://HeavenUponEarth.com/link، ومقال أعمدة الحكمة السبعة: /http://HeavenUponEarth.com/link

والآن، وقبل الخوض في اختبار مقدار الحكمة، أود أن ألفت نظر القاريء إلى أنه بالإضافة إلى الأمور الثمانية التي ذكرتها في المقال الأول كدواعي حتمية لضرورة اقتناء الحكمة في حياة المؤمن في كل زمان ومكان، فإن مَثَلَ “العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات” في إنجيل متى يعطينا إنذارًا عظيمًا وتنبيهًا جادًا بشأن أهمية الحكمة في حياة المؤمن بصفة خاصة في الأيام الأخيرة! فالقراءة البسيطة جدًا لمثل العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات توضح أن الفارق الأساسي بين عذارى دخلن العرس وعذارى لم يدخلن هو “الحكمة”! فالحكمة هي التي مكَّنت العذارى “الحكيمات” أن يجهزن أنفسهن بمقدار زيت إضافي في الأواني بجانب مقدار الزيت الأساسي في المصابيح (وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ)! بينما العذارى “الجاهلات” لم يفطنّ إلى احتياجهن لزيت إضافي، إذ كان معهن زيت في مصابيحهن يكفي بالكاد أن يستمررن، وإذ “أَبْطَأَ الْعَرِيسُ”، لم يعُد مقدار الزيت عند الجاهلات كافيًا وصارت مصابيحهن تنطفئ، ولم يلحقن بالعريس! فالحكمة هنا كانت العامل الأساسي الذي مكّن الحكيمات من اقتناء الزيت الكافي لكي يدركن بالعريس! فلننتبه في هذه الأيام الأخيرة!!

نقترب باتضاع!

في سفر الأمثال والإصحاح الثلاثين، يأخذنا الروح القدس، من خلال آيات قليلة العدد، لكن عظيمة الفائدة، في رحلة مميزة جدًا لنرى أربعة من أحكم الكائنات التي خلقها الرب – النمل، الوبار، الجراد، والجيكو (من فصيلة العناكب)! فعلى الرغم من كَوْن هذه الكائنات “هِيَ الأَصْغَرُ فِي الأَرْضِ”، إلا أنها “حَكِيمَةٌ جِدًّا”! والحقيقة، فإن الاقتراب من هذه الكائنات الصغيرة بقصد تَعَلُم الحكمة هو أمر يحتاج إلى اتضاع حقيقي. فما أعظم الروح القدس الذي إذ شاء أن يعلمنا عن الحكمة، وضع أمامنا هذه الكائنات الصغيرة. وكأن الرب يهمس لنا: مَن أراد الحكمة، فليتضع! مَن أراد الحكمة، لا يستعلي! مَن أراد الحكمة، فليأت متجردًا من كلِ توقعاتٍ، ومن كل مستوى احترافي، ومن كل أمور عالية! مَن أراد الحكمة، فليبحث عن الاتضاع! مَن أراد الحكمة، فليخضع لروح المسيح المُتَضِع، الذي هو حكمة الله، “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ. (في ۲: ٦ – ۱۱)

ينصح الرسول بولس المؤمنين في رسالة رومية قائلاً: “غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ!”، ويا لها من كلمات عظيمة! ثم يُكمل بعدها مباشرةً: “لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ” (رو۱۲: ۱٦)! آه.. يا روح الله! هذا هو الطريق الذي تُلَمِعه للتمتع بالحكمة الحقيقية! الاتضاع! عدم الانجذاب للأمور العالية! الانجذاب للمُتضعِين (حرفيًا، في كثير من الترجمات، الانجذاب للأشخاص الذين في مستوى بسيط ومنخفض!)..

آه يا روح الله! النمل، الوبار، الجراد، العنكبوت! هذه هي أدواتك الحية التي تختارها لتعلمنا! ولنقيس من خلالها ذواتنا لنعرف في أي مستوى من الحكمة نحن! وإذ ننظر إلى هذه الكائنات من خلال عدستك أنت؛ نرى الحكمة، والدقة، والاحترافية الحقيقية، والذكاء الأصيل، وحسن التقدير، والقدرة على الإنجاز، بل والنصرة على الأعداء! علمنا يا روح الله ونحن نقرأ الكلمات التالية! أعطنا التمييز الذي يُمَكنُنا أن نرى أنفسنا، ونُقيم تقييمًا صحيحًا مستوى الحكمة في حياتنا، لا لنُحبَط! فأنت بالتأكيد لا تريد أن تُفَشِلنا! فأنت لم تُعطنا روح الفشل! بل لنفهم، فنطلب حكمة أعظم لأجل هذه الأيام الأخيرة! يا روح الله، لا تسمح أن نحيا جيلاً لا يعرف شماله من يمينه، فليست هذه مشيئتك لأي جيل، فكم بالحري جيل الأيام الأخيرة!! لنُمْنَح فهمًا بالروح القدس، فنصير عذارى حكيمات، مصابيحنا وأوانينا ممتلئة بالزيت، ولا يعوز الدهن رؤوسنا!!

إذًا، قارئي العزيز، مفتاح القياس المبدئي للحكمة الإلهية هو: امتحان نفسي أمام الرب لأعرف مدى اتضاعي، وأسأل نفسي هل ما يجذبني هو المظاهر والأمور العالية؟ هل ما يجعلني أشعر بالثقة هو مصادقة صفوة الناس وارتداء الملابس غالية الثمن والتحدث بلغة الإبهار؟ إذا كانت هذه الأعراض موجودة ولو بنسبة قليلة، إذًا؛ لأنحني أمام الرب لينقيني بدمه ويملأني بروحه قبل المُضي قدمًا في القراءة.. ولأثق أن دم الرب يسوع المسيح فيه الكفاية لينقيني ويحررني ويقدسني، وأن الروح القدس يستطيع بنيرانه أن يشعلني باتضاع المسيح الحقيقي لأجل استعلان الحكمة الإلهية في كياني.
آه يا أبي السماوي!
لتأت بنيران روحك لتحرق كل قش وتبن وعشب!
لتأت بنيران روحك فتكشف كل أمور مزيفة في الحياة.. كل ما هو من شجرة معرفة الخير والشر! كل ما ليس أصله الحياة!
ولتأت بمياه روحك لتنقيني وتفيض فيّ بالحكمة الإلهية التي تقودني لأبني ذهبًا وفضة وحجارة كريمة!
في اسم ابنك يسوع! آمين!

والآن، قارئي العزيز، هيا لنمضي قُدمًا في اختبار مقدار الحكمة، من خلال الكائنات الأربعة الممتلئة حكمة و”الأَصْغَرُ فِي الأَرْضِ”! وأبدأ معك في الحلقة الأولى من هذا الجزء بالنملة، بينما أستكمل معك باقي الكائنات الأربعة في الحلقة الثانية.

أولاً: النملة!

أَرْبَعَةٌ هِيَ الأَصْغَرُ فِي الأَرْضِ، وَلكِنَّهَا حَكِيمَةٌ جِدًّا: النَّمْلُ طَائِفَةٌ غَيْرُ قَوِيَّةٍ، وَلكِنَّهُ يُعِدُّ طَعَامَهُ فِي الصَّيْفِ. (أم ۳۰: ۲٤، ۲٥)
اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ. تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا. الَّتِي لَيْسَ لَهَا قَائِدٌ أَوْ عَرِيفٌ أَوْ مُتَسَلِّطٌ، وَتُعِدُّ فِي الصَّيْفِ طَعَامَهَا، وَتَجْمَعُ فِي الْحَصَادِ أُكْلَهَا. إِلَى مَتَى تَنَامُ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ؟ مَتَى تَنْهَضُ مِنْ نَوْمِكَ؟ (أم ٦: ٦ – ۹)

النملة! هذا الكائن الصغير المعروف جيدًا للجميع! فمَن مِنا في طفولته لم يتابع سرب نمل ليعرف أين يذهب، وكيف يحملون معًا الفتات، وأين المكان الذي يخزنون فيه ما يجمعون!! هذه الكائنات الصغيرة، التي يبدو لمَن يلاحظها وهي ماشية في طوابيرها الطويلة كأنها في عالم وحدها من شدة تركيزها فيما تفعله، اختارها الروح القدس ليعلمنا الحكمة من خلالها.. والحقيقة، فإن القاريء لكلمات سفر الأمثال لابد أن يلاحظ أن الروح القدس ركز في كلامه على نقاط أساسية تشكل تميُز النملة في حكمتها. فمبدئيًا، من الواضح أن النملة مُدركة لضعفها الطبيعي، فهي تُدرك أنها لا تستطيع تحمُل برد الشتاء، لذلك تحتاج إلى تخزين الطعام في مخازن أثناء الصيف، حتى تستطيع أن تبقى في مخابئها أثناء الشتاء ومعها ما يكفي من الطعام، وهذا السلوك بالطبع يندرج أيضًا على تمييز طبيعي للمواسم وعلى بذل لاجتهاد صحيح في الموسم الصحيح، بجانب الوعي الذاتي! أي أنه يمكننا تلخيص جوانب حكمة النملة في: (۱) إدراك النملة لطبيعتها و(۲) تمييزها للفصول والأوقات و(۳) بذل الاجتهاد المطلوب في الاتجاه الصحيح بدون انتظار مَن يحركها لهذا! وهي مؤشرات مبدئية ينبغي النظر إليها لاختبار مقدار الحكمة عند المؤمنين! والآن هيا لنطبق جوانب حكمة النملة على حياة المؤمن.

مبدئيًا، أن يدرك المؤمن طبيعته الإنسانية ويجيد التعامل معها من خلال ما تعلنه الكلمة هو مؤشر مهم للحكمة. فمع تقدُم المؤمن في رحلته مع الرب، يكتشف قطعًا أن إدراك طبيعة “الخزف” إدراكًا حقيقيًا هو من أعظم الدروس في الحياة الروحية! فكم من المؤمنين فشلوا في الاستمرار في تقدمهم الروحي لأنهم لم يدركوا محدودية الطبيعة الإنسانية إدراكًا واعيًا، وبالتالي لم يُحسِنُوا التعامل مع أنفسهم ولا مع الروح القدس!! والآن ماذا أقصد بإدراك الطبيعة الإنسانية بحسب كلمة الله؟ أقصد أن يدرك المؤمن أنّ الخزف باقٍ كخزف إلى مجيء الرب الثاني وتمجيد الأجساد. يقول الكتاب: “لكِنْ لَنَا هذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ ِللهِ لاَ مِنَّا.” (۲كو ٤: ۷).. ولكن، لابد أن يصاحب إدراكي للخزف (لطبيعتي الإنسانية)، إدراك آخر باحتياجي الدائم للامتلاء بالروح القدس!! أعلم أن هذا إدراك كتابي يبدو بسيط، لكن برغم من بساطته، إلا أننا نَغُض النظر عنه بشكلٍ متكرر! فمرات كثيرة، إذ يتحرر المؤمن بنعمة الله من قيود الخطية وآثار العبودية لإبليس من خلال اختبارات التقديس الحقيقية، يظن أنّ بكونه قد صار حرًا من الخطية (وهذا حق/ إذ تعرفون الحق والحق يحرركم)، صار أيضًا حرًا من الخزف (وهذا ليس حق)! فالخزف دائمًا موجود ودائمًا يحتاج أن يمتليء من المجد – وهذا ليس له علاقة بالخطية!!

ما الحكمة في إدراكي للخزف؟ بالتأكيد؛ هذا الإدراك ليس لالتماس الأعذار في حالات ضعف الاجتهاد الروحي أو الاستسلام للعدو أو للفتور!! لكن أدراكي أن الخزف موجود، أهميته العُظمَى تكمن في أنه يعطني تنبيه دائم لاحتياجي الدائم أن أحيا معتمدًا في كل يوم وفي كل شيء على نعمة الله. ومرة أخرى هذا ليس له علاقة بالخطية أو بالإنسان العتيق! فالإنسان العتيق أستطيع أن اختبر محو كامل لنشاطه في محطات اختبارات التقديس، إذ أؤمن أنه قد صلب مع المسيح (انفصل عني انفصالاً كاملاً)، لكن لا يوجد محطة يُمحَى فيها الخزف في حياة المؤمن على هذه الأرض في هذا الدهر! إدراكي لهذه الحقيقة يجعلني مُدركًا لخطورة ابتعادي عن الاشتعال الروحي الحقيقي. إدراكي لهذا يجعلني تواقًا في كل يوم أن أمتلئ بالروح القدس! فالخزف بدون الامتلاء بالروح القدس، يعود إلى خوائه وهشاشته! يصير قابل للانسحاق تحت ضغوط العالم وحروب العدو. قارئي العزيز، انتبه! فالأمر الوحيد الذي يحفظ الخزف من الانسحاق هو الكنز – الامتلاء بالروح القدس! وبالتالي، فإن إدراك الخزف يجعلني أندفع اندفاعًا إلى الالتحام بالروح والامتلاء بالمجد! وهكذا النمل! فإن إدراك النملة لضعف تَحمُّلِهَا في الشتاء، يجعلها تُخزِن طعامًا في الصيف. لا تظن النملة في نفسها أنه سيأتي شتاء تجد نفسها قادرة على تحمُل البرودة! وهكذا المؤمن الحكيم؛ لا يظن في يوم أنه سيحتفظ باشتعاله أو بالمجد مالئَا إناءه ما لم يجلس أمام الرب ويمتلئ بالروح في كل يوم! المَن الذي جُمع بالأمس لا يصلح لليوم! بقدر بساطة هذا الأمر؛ بقدر استمراره كمنطقة هشة في حياة الكثيرين!

مقدار الوقت الذي أقضيه أمام الرب بإدراك احتياجي الحقيقي للامتلاء من روحه – من الكنز – هو مؤشر مهم على مقدار الحكمة في حياتي! ولا تقل: “أنا أعلم أهمية هذا الأمر، إذًا أنا حكيم”! فالحكمة ليست المعرفة، لكنها هي تطبيق ما تعرفه! قل: “إلى هذا المدى أنا أطبق”، إذا “إلى نفس هذا المدى أنا حكيم!”.. ومَن تعوزه حكمة فليطلب من الآب!

الأمران الثاني والثالث في حكمة النملة مرتبطان ببعضهما؛ وهما (۲) تمييزها للفصول والأوقات و(۳) بذل الاجتهاد المطلوب في الاتجاه الصحيح بدون انتظار مَن يحركها لهذا! لماذا أقول إنهما مرتبطان ببعضهما؟ أقول هذا لأن أحد سمات الأيام الأخيرة هي ازدياد سكيب مواهب الروح ومن ضمنها “التمييز”، لكن إن لم يُصاحب هذا التمييز بذل الاجتهاد المطلوب في الاتجاه الصحيح، تصبح الحكمة غائبة!! كخادم للرب في أوساط كاريزماتية، صرت أسمع كثيرًا عبارة “هذا زمن كذا”، أو “هذا وقت كذا وكذا”، وهكذا!! عندما تكون هذه الأقوال أصيلة (إذ يوجد كثير منها هذه الأيام ليس أصيل!!)، أفرح بها، وأقول دائمًا لنفسي ولأحبائي: “ماذا بعد التمييز؟” ماذا بعد سماع العظات النبوية التي تشرح “الزمن”؟ ما الاجتهاد المطلوب وما الاتجاه الصحيح لنبذل فيه لأجل الرب؟ أريد أن أكون حكيمًا!! أي “عمليًا” في تعاملي مع التمييز الروحي الذي أعطاني إياه الرب! أكون “عمليًا”: قد تكون بأفعال يضعها الروح بداخلي، أو بانتظار، أو بصمت مُدرِك، لا فرق! فالانتظار والصمت يلزمهما أيضًا اجتهاد! لكن، لأكون حكيمًا، لا ينبغي أن أكون فقط “مُمَيِز للأوقات”، لكن ينبغي أن أسأل الروح عن خريطة “التحركات” أو “التوقفات” ليطبعها بداخلي، وأسأله النعمة التي تمكني من التنفيذ! كخادم أشتاق للنهضة الحقيقية، أصلي أن تمتليء مجتمعاتنا، مجتمعات حركات الروح القدس بهذا الإدراك! ولنسمح للروح أن يُوبخنا ويُصححنا، حتى يأتي العريس، فلا يجدنا نيامًا!

إذًا، مقدار ارتباط “التمييز” بـ “الاجتهاد العملي” في حياتي هو مؤشر آخر من مؤشرات الحكمة! عندما أميز الوقت، هل أفعل مثل النملة التي تُدرك أنه صيف فتعمل وتُخزن، وتدرك أنه شتاء “فتختبئ”؟ أم أميز ولا أتحرك؟ أم لا أميز من الأصل؟! قل لنفسك: “إلى هذا المدى أنا أطبق”، إذا “إلى نفس هذا المدى أنا حكيم!”.. ومَن تعوزه حكمة فليطلب من الآب!

في الحلقة القادمة، وهي الخاتمة لسلسة مقالات الحكمة، أتناول معك عزيزي القاريء: الوبار، والجراد، والجيكو؛ لنتقدم معًا في اختبار مقدار الحكمة في حياتنا. “وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ، الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ.” (يه ۲٤، ۲٥).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عن المؤلف

Picture of د. ثروت ماهر
د. ثروت ماهر
الدكتور ثروت ماهر هو رجل نهضات وخادم متفرغ للوعظ والتعليم والكتابة والبحث اللاهوتي. حصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة الزقازيق، ثم بكالوريوس الدراسات اللاهوتية بامتياز من كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، ثم درجة ماجستير اللاهوت بامتياز من الكلية نفسها. وبعد ستة سنوات من الدراسة بجامعة ريجينت بفرجينيا، حصل الأخ ثروت على درجة الدكتوراة بامتياز في اللاهوت والتاريخ (PhD) من جامعة ريجينت في مارس ۲۰۱۹. كما يخدم د. ثروت ماهر في منصب العميد الأكاديمي بكلية لاهوت الإيمان الوسلية بميدان فيكتوريا منذ عام ٢٠١٩، وهو عضو بلجنة اعتماد كليات اللاهوت الدولية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد أسس دكتور ثروت ماهر، وزوجته جاكلين عادل، في سبتمبر عام ٢٠١٦، خدمة السماء على الأرض وهي خدمة تعليمية تعبدية لها اجتماع أسبوعي بكنيسة المثال المسيحي بشبرا.